أعظم حقوق الله على عباده
إعلم أن أعظم حقوق الله تعالى على عباده هو توحيده تعالى وأن لا يشرك به شيء
لأن الإشراك بالله هو أكبر ذنب يقترفه العبد وهو الذنب الذي لا يغفره الله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء )
وكذلك جميع أنواع الكفر لا يغفرها الله لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) (محمد:34)
والتوحيد يتحقق بكلمة التوحيد وهيا لا إله إلا الله ويجب على كل انسان معرفة معناها واليكم هذا معناها من كلام الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله
معنى لا إله إلا الله : أي : لا معبود بحق في الوجود إلا الله .
و اعلم أيها المسلم أن " لا إله إلا الله " لها سبعة شروط , لا بد للعبد من استكمالها . قال العلامة حافظ حكمي في " سُلم الوصول " :
و بشروط سبعة قد قُيدت و في نصوص الوحي حقًا وردت
فإنه لم ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها
قال :" و معنى استكمالها : اجتماعها في العبد , و التزامه إياها بدون مناقضة منه لشيء منها , و ليس المراد من ذلك عد ألفاظها و حفظها , فكم من عامي اجتمعت فيه و التزمها , و لو قيل له : اعددها لم يحسن ذلك , و كم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم و تراه يقع كثيرًا فيما يناقضها , و التوفيق بيد الله و السداد "
قلت : و قد نظم _ رحمه الله _ هذه الشروط بقوله :
العلم و اليقين و القبول و الانقياد فادر ما أقول
و الصدق و الإخلاص و المحبة وفقك الله لما يحبه
*الشرح :
1. العلم بمعناها _ نفيًا و إثباتًا _ المنافي للجهل :
قال تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله و استغفر لذنبك )]محمد:19[
و عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من مات و هو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " ]رواه مسلم برقم (26)[ .
2. اليقين المنافي للشك :
و ذلك بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقينًا , فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين , لا علم الظن , فكيف إذا دخله الشك ؟! , قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا) ]الحجرات:15[. فاشترط في صدق الإيمان كونهم لم يرتابوا _ أي : لم يشكوا _ , أما المرتاب فهو من المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم : ( إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله و اليوم الآخر و ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ) ]التوبة:45[ .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أشهد أن لا إله إلا الله و أي رسول الله , لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " ]رواه مسلم برقم (44)[ .
و عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه , فبشره بالجنة " ]رواه مسلم برقم (31)[ .
3. القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه و لسانه المنافي للرد :
قال الله تعالى : " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله , و يقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون "]الصافات : 35-36[ .
و عن أبي موسى الأشعري رضي الل عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منه طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " ]متفق عليه[ .
4. الانقياد لما دلت عليه المنافي للترك :
قال الله تعالى : ( و من أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله و هو محسن )]النساء : 125[ .
و قال تعالى
و أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له ) ]الزمر : 54[ .
و قال تعالى
و من يسلم وجهه إلى الله و هو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) ]لقمان : 22[ .
و معنى يسلم وجهه : ، أي : ينقاد و هو محسن : موحد ، و من لم يسلم وجهه إلى الله و لم يكُ محسنًا , فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى .
5. الصدق المنافي للكذب :
و هو أن يقولها صدقًا من قلبه يواطئ قلبُه لسانه , قال تعالى
الم , أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون , و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) ]العنكبوت : 1 - 3[ .
و قال تعالى
و من الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر و ما هم بمؤمنين , يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخادعون إلا أنفسهم و ما يشعرون , في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا و لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) ]البقرة : 8-10[ .
و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال
ما من يشهد أن لا إله إلا الله , و أن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار ) ]متفق عليه[ .
6. الإخلاص المنافي للشرك :
و هو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ؛ قال تعالى
ألا لله الدين الخالص ) ]الزمر :3[ و قال تعالى
فاعبد الله مخلصًا له الدين ) ]الزمر :2[ و قال تعالى
و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له لدين حنفاء ) ]البينة : 5[ .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه _ أو : نفسه _ ) ]متفق عليه[ .
و عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) ]متفق عليه[ .
7. المحبة لهذه الكلمة و لما اقتضته و دلت عليه و لأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها و بغض ما ناقض ذلك :
قال تعالى
و من الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا أشد حبًا لله ) ]البقرة : 165[ .
و قال تعالى
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اللهُ بقومٍ يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم ) ]المائدة:54[ .
و عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) ]متفق عليه[ .
معرج القبول (2/518-524) بتصرف يسير